كتاب الروح تسأم أحيانا قصص محمود ابوعيشة

2003م - 1443هـ نفث زين دخان سيجارته ومد يده إلى ألسنة اللهب في ركية النار، ناوله عمه عبد الرحمن كوب الشاي الأخضر، أخذه في صمت وسرح : 'الوحدة شيء قاس جدا، ومخيف، برغم القرضة والهوام. وتبسم بعذرية شديدة –لماذا يا حبيبة تصنعين كل هذا الشقاء ! ألا أني أحبك بعد ما تأكدت أن الحب فقاقيع هواء، ليس أكثر من فخ إنجاب أطفال قد لا يعرفون أباءهم ! جديدا ما يزال، أنهى دراسته وجاء إلى المزرعة عاملا، ناوله عم عدلي غابة الجوزة، شد نفسا، كح بعده طويلا، حتى اختنقت عيناه بالدموع، خيمت سحابة الدخان على ضبابية الحجرة، حملقات مهمومة من عمر مهدور، في الليل يحلمون بشمس الجنوب ونساء الجنوب ويبكون، وفي النهار يراهم محنيين كبرياء، يزرعون لغيرهم، وعندما يفكرون في النهوض تكون قاماتهم تعودت الإنحناء، وتأبى أعناقهم أن ترتفع، فيظلون هكذا حتى يسقط الواحد في حفرته التي تغطي قامته، بعيدا عن ترابه، تدور أعينهم في صمت: من التالي؟ .